الفيلم الإثنوغرافي بوصفه ذاكرة فنية دراسة إثنوسيميائية لشخصية اليهودي في الفيلم العراقي القصير

Abstract

عادة ما تقرن البحوث والدراسات النقدية السينمائية بين الفيلم الوثائقي والإثنوغرافيا، بصفته الفيلم الذي يعالج الواقع ويعيد صياغته بطريقة فنية، وتشير إلى الفيلم الإثنوغرافي بوصفه ذاكرة فنية تهدف إلى كشف جانب من مأساة الأقليات، ويقدم جانباً من ثقافتهم وتقاليدهم. إذ «تمكننا الأفلام الإثنوغرافية من أن نلفت الانتباه إلى مأساة الأقليات المضطهدة، وبفضل الفيلم الإثنوغرافي أصبح من الميسور لآلاف المشاهدين في الغرب أن يتعرفوا على الثقافات الهامشية والبعيدة» كما يرى جان بول كولين. وجاءت هذه الدراسة لتطرح فرضية كون الفيلم الإثنوغرافي لا يقتصر على الوثائقيات، وإنما يمكن للفيلم الروائي مع كونه خيالياً أن يكون فيلما إثنوغرافياً، وذاكرة فنية تشير إلى ما يعانيه الآخر، في حال توفرت فيه عدد من الاشتراطات، وجاء اهتمامنا بالفيلم الإثنوغرافي انطلاقاً من كونه يمثل ذاكرة صورية توثق لشعب من الشعوب منفصل عن غيره سواء بالدين أو القومية أو العادات والتقاليد الثقافية، وكان الأنموذج الأمثل لمناقشة هذه الفرضية وإثباتها الفيلم الروائي العراقي القصير (بندقية الشرق) من خلال تناول شخصية اليهودي العراقي فيه، تلك الشخصية التي غابت عن الأعمال السينمائية العراقية، ولا سيما أفلام بعد العام 2003 الذي شهد انتعاشا أكبر لإنتاج الأفلام السينمائية ولا سيما القصيرة منها، لكنها حضرت في الفيلم القصير موضوع هذا البحث.
 فيلم (بندقية الشرق Venice of the East 2018) لكاتب السيناريو مصطفى ستار الركابي والمخرج بهاء الكاظمي، الذي وقع اختيارنا عليه لأسباب فنية  فترجع إلى جودة مستوى اللغة السينمائية التي وظفها المخرج في التعبير عمّا يريد في هذا الفيلم، الذي بطله الوحيد هو شخصية الرجل اليهودي الذي لا يحمل اسماً والذي أدى دوره الممثل العراقي (سامي قفطان)، فضلاً عن الكثير من الإشارات الواردة في النص المرئي والتي تقدم إشارات قد تكون واعية أو غير واعية لوضع هذه الشريحة من العراقيين وهذا ما سيتضح في ثنايا البحث، وأسباب أخرى غير فنية هي ما أشرنا إليه أعلاه من كون السينما الروائية العراقية لم تتناول هذه الشريحة من المواطنين العراقيين.
وأثبتنا فرضية البحث في المبحث الأول وهو مبحث نظري بعنوان (الفيلم الإثنوغرافي بين الوثائقية والروائية) ناقشنا فيه محورين هما (تعريف الفيلم الإثنوغرافي) و (هل يمكن عد الفيلم الروائي فيلما إثنوغرافياُ؟!) أما المبحث الثاني فتطبيقي نقدي عرضنا فيه منهج البحث (المنهج الإثنوسيميائي) ثم لحقتها (رؤية نقدية للفيلم) ثم تطرقنا إلى(عادات المجتمع اليهودي في الفيلم) وأخيرا كيف عبر عن كل هذا من خلال العلامات التي احتوتها اللغة السينمائية التي قدم بها الفيلم. واختتمنا البحث بأهم النتائج التي توصل إليها. وجدير بالذكر أن هذا البحث هو بحث مؤسس ودراسة أولى حول الفيلم الإثنوغرافي وتكمن أهميته في أنه يطرح للمرة الأولى فرضية كون الفيلم الروائي يمكن أن يكون إثنوغرافياً ويثبت هذا، ولحق بهذا البحث دراسة ثانية غير منشورة بعنوان ((التهجير القسري لليهود وتمظهرات العودة في فيلم (بندقية الشرق Venice of the East))