ديانات قديمة وضعية وسماوية في بلاد الرافدين والإيزدية في كوردستان أنموذجا
الملخص
بحثنا يدرس الديانة الإيزدية والإيزديين، ومأواهم الأصلي وموطنهم الحالي وقوميتهم ولغتهم وتراثهم، ومتى ظهروا تاريخيا؟، وما هو دينهم ومعتقدهم وطقوسهم الدينية الحقيقية؟، وهل ديانتهم مستقلة أم هي مزيج من الديانات المختلطة سماويا ووضعيا؟، وهل صحيح أنهم عبدة الشيطان كما يروج لهم البعض، أم هم من جذور دين سماوي وعبدة الله الواحد؟.
والهدف من اختيار البحث عن ماهية الديانة الإيزدية والتأكيد من هويتها العرقية، فمن البديهة وبما أن المنطقة مرت وانتشرت بها العديد من الأديان القديمة والسماوية الحديثة، والتي يشار إليها في طي البحث حسب ضرورته وبما لتلك الديانات من صلة وتشابه مع الإيزدية، فرأينا من ضرورة موضوع البحث، الكلام عن جل الديانات الغابرة والحاضرة ومدى صلاتها بالأمة الكوردية عموما والطائفة الإيزدية خصوصا.
فالإيزدية كإحدى الديانات الحاضرة في مهدها كوردستان، وهوالموطن الذي يتكون من مجاميع إثنية ودينية منذ فجر التاريخ، فنشأت فيه ديانات ومذاهب مختلفة من قديم الزمان وإلى الآن، فقبل الإسلام كان سكان كوردستان يدينون بديانات العصور التي مرت بهم، وأشهرها الزردشتية التي انتشرت في شمال شرق كوردستان إنطلاقا من مدينة أورومية (ورمى –Oromia- WORMEA)، فمدينة ورمى هي موطن الكورد ومسقط رأس (زردشت)، ناشر هذا الدين، ويعتقد معتنقوا دينه بأن زردشت كان نبيا مرسلا، وورد في كتاب الأنوار للأردبيلي وهو شرح معتبر من شروح الفقه الشافعي، ما معناه: (الأصح أن زردشت كان نبيا ورسولا من الله تعالى، ولكن قومه حرفوا دينه، نقلا عن محادثة أجريتها مع الأستاذ الفاضل والمؤلف البارع نوري فارس حمه خان في بيته بالسليمانية- 12/8/2024).
فتوسعت الديانة الزردشتية لتصل إلى شمال بلاد الصين وذلك قبل سبعة قرون من ميلاد عيسى عليه السلام، وقد حرفت فيما بعد إلى المجوسية أو ما سماهم البعض بعبدة النيران والمجوس حيث ورد ذكره في القرآن الكريم، (سورة الحج: الآية17)، كما كان هناك انتشار للديانة الميثرائية البابلية التي امتزجت نسبيا بالزردشتية ثم الزروانية، والتي نفاها الدكتور حسام الدين النقشبندي على أنه دين الميديين، ويؤكد بأنه ليس هناك يثبته.
غير أن (ينبرج) يرى أن المجوس في ميديا (غربي إقليم الجبال) قد اعتنقوا الزروانية قبل أن يصبحوا زردشتيين، وعندما انتشرت المسيحية إعتنقها الكثير من الكورد، إلى الحضور الإسلامي ودخل الغالبية العظمى منهم الدين الجديد، وتبعا لمجريات العالم الإسلامي وظهور الإنشقاقات والتصدعات بين مذاهبها وساساتها، كان كوردستان جزءا من هذا الصراع والتمايل إلى هذا أو ذاك وظهرت بين الكورد فرق (السنة والشيعة)، والفرق المختلفة، كالكاكائية والشبك والعليللاهية والقلغانية وغيرها فضلا عن بقاء الديانة الإيزدية القديمة وإلى الآن.
وبحثنا هذا محاولة لأجل إعطاء صورة واضحة عن الإيزديين في موطنهم كوردستان وعن عقيدتهم وأماكن انتشارهم وبعض عاداتهم وطقوسهم الدينية، فضلا عن إزالة التشكيك بعرقهم الكوردي الآري وهلم جرا، قدر ما ينسجم مع حجم هذا البحث ومن الله التوفيق.